فى كلام نيوز خطبة يوم الشهيد 18 فيفري
الشهيد الذي مجد الوطن معنى ومبنى.
إن إحياء ذكرى يوم الشهيد تجري هذه السنة في ظروف متميزة، سواء على المستوى الوطني أو على المستوى العربي والدولي، وما يميزها أكثرهو تلكم الأوضاع الناتجة عن سلوكيات الاستعمار الجديد
. وإذا كان الحديث عن يوم الشهيد يستلزم الوقوف على أهم دواعي اعتماد 18 فبراير “يوما للشهيد” في الجزائر، فمن الضروري استعراض أهم المحطات خلال 22سنة من عمر الذكرى، وما سبقه من مجريات “مسار ثورة التحرير المباركة، ومرحلة البناء والتشييد فور الاستقلال .
فمن المعلوم أن عوامل انتصار الثورة الجزائرية على ثالث قوة عسكرية عالميا ، مدعومة بحلفائها الأطلسيين هي عوامل متأتية أساسا عن روح التضحية العالية للشعب الجزائري و حبه لوطنه و تمسكه بدينه و شخصيته الجزائرية
العربية الإسلامية.
إن ما قرأناه عن الوطن في الواقع المعيش،وكتب اللغة والمعاجم والموسوعات الفلسفية و السياسية، من تعريفات الوطن يدور حول معنى واحدا :
“الوطن هو البلد الذي تسكنه أمة يشعر المرء بارتباطه بها وانتمائه إليها” والوطنية ليست عقيدة يوالى عليها أو يعادى، وإنما هي ذلك الاحساس الوجداني الذي تعبر عنه مساعي الافراد لتمتين الصلة بين افراد الأمة وتقوية رابطة الوطن وتعميق أساليب التعايش…
أو بعبارة أوضح “الوطنية تعبير قومي يعنى واجب الإنسان نحو وطنه، وحبه وإخلاصه لوطنه والتمتع بحقوقه المشروعة بين أبناء وطنه وتحت رايته، داخل وخارج حدوده” وهو ما يعد المرجع الأساس لأي حراك في كينونة الأمة وإدارة شؤونها، ومحور بنود مواثيقها.
لكن حبُّ الوطن ،لا يقتصر على المشاعر والأحاسيس؛ بل يتجلَّى في الأفعال قبل الأقوال، وأجمل ما يتجلى به حبُّ الوطن ،صلة الأرحام، عشرة الإنسان وخاصَّتُه، وهي سمات في الشعب الجزائري عامة وأبطال الثورة على الخصوص، ودليل قاطع و برهان ساطع على عبقرية الشعب الجزائري و مقدار تفانيه
و إخلاصه في الدفاع عن حرمته و كرامته و وطنه، وهي قناعة لم تقتصر عند المجاهدين على كونها أساسا نظريا فحسب بل مرت فعلا بمرحلة تطبيق ولقيت قبولا واسعا في الأوساط الجماهيرية حتى الاستقلال، ما حقَّق الترابط بين أبناء الوطن الواحد، وجعل الجو مهيَّأً للتحرير والبناء، وأول خطوة في طريق التقدم.
لقد أستمر الدفع الثوري إلى عشريتين بعد الاستقلال في أروع صور التضامن الوطني و التآخي الاجتماعي، بين أفراد الشعب، لاسيما في البوادي و الأرياف معاقل المقاومة ومنطلقات سهام الجهاد ونقاوة أرضية نما، بذور التضحية.بالنفس والنفيس.
إلا أن هياكل الإدارة الاستعمارية التي بقيت على حالها بعد الاستقلال ودعمها المندسون بقرابة 1000عون إدارة موفدة من المغرب ، “للعلم فقد ظل المغرب تحت الحماية الفرنسية من عام 1912 إلى غاية عام 1956 حيث حصل على الاستقلال و تولى السلطان محمد الخامس العرش إلى حين وفاته
وخلفه ابنه محمد الخامس عام 1961،”لذا قد يكون الأعوان الموفدون من اختيار الإدارة الاستعمارية التي لم تسلم المملكة المغربية من شرها، فظل ذلك الطاقم البشري يعمل بلغة الاستعمار و نمط تفكيره، و أسلوب تسييره ومناهجه، ووسائل سيرورته، مرجعية أفكاره آتية من وراء البحر،
واستمر تأثير هذا التيار في المناصب الحساسة حتى بعد قرارات تأميم الثروات الوطنية (1967-1971)،وهو أمر أحدث بمرور الزمن ضغطا كبيرا في المسار الثوري و إعاقة شديدة في تطوراته و نموه وإحداث ثغرات في جدار الوطنية ، فبقي بذلك حاجزا في وجه تطلعات الجماهير الشعبية ،
وهاجسا مبهما في ساحة التنمية الوطنية.
وعندما هبت رياح الانقلاب الدولي بما عرف بالإصلاحات” البيسترويكة” في بداية الثمانينيات التي كانت بدايتها بداية انهيار القطب الشرقي-”الاتحاد السوفييتي”-
، و زامن في الجزائر ذلكم الفراغ السياسي الكبير الناتج عن وفاة الرئيس بومدين من جهة، والأوضاع الاقتصادية في البلاد المتولد
عن تراجع الصادرات وشح الواردات وتأثيرها على الإنتاج ما جعل الاقتصاد محصورا في مرحلة تعديليه أدت إلى التضخم.من جهة ،وتضرر معظم المجالات الرئيسية ،بما فيها الإنفاق العمومي من جهة أخرى ، وانطلاق مشروع أساليب القطب الواحد، أو ما عرف بمبدأ” الحكومة العالمية”
الذي سخرت له الامبريالية بزعامة أميركا، كل الوسائل المادية والمعنوية، ما وسع الهوة بين الحكام والمحكومين من جهة وبين مختلف الشرائح الاجتماعية من جهة أخرى، فحدثت هزات اجتماعية في مناطق عديدة من العالم.
ومن الطبيعي في هذه الأوضاع أن تحدث تناقضات بين الفئات الاجتماعية من جهة ثانية، في تلك المجتمعات التي مستها رياح الإصلاح هذه، فكان لذلك أثرا سيئا أيضا على الوضع في الجزائر، ودفعت أحداث 05أكتوبر1988م،إلى الاسراع بتعديل الدستور وفسح المجال أمام التعددية السياسية-”المادة-42″ بكيفية عشوائية وتهافت حينها الجميع للتكتلات السياسية.
في هذا الجو القاتم والخضم الهائج، طفت على السطح بشكل جلي تلك التناقضات التي انتجتها الادارة الموروثة عن الاستعمار كما اسلفنا، تغذيها النوايا الشتات الناجمة عن تحالفات القادة العسكريين والسياسيين إثر الازمة السياسية في صائفة 1962م،تلك التحالفات التي أصابها الشلل في سنة 1963وماتت تماما في 19جوان 1965م،لكن تواجد الموروث الوباء أستمر،
وهو ما دعا أبناء الشهداء إلى الالتقاء حول مسألة المسائل، لإنقاذ البلاد بمشاركة المخلصين في بناء الدولة التي استشهد من أجلها الملايين من خيرة أبناء هذا الوطن، بناء جزائر نوفمبر وترسيخ المشروع الحضاري للأمة الجزائرية، وحمايته من المؤامرات التي حاكها وكلاء الاستعمار متفننين في التشويه ،والتقزيم ،والتخريب ،لإجهاض المشروع الوطني،
وكان لقاء أبناء الشهداء وهم بالأمس واليوم، الفئة الأقل حظا في المجتمع والأكثر حرمانا ،كان اللقاء مسئولا، بدايته البحث عن شكل لتنظيم لا يخدم السياسة من أجل التهريج ولكن من أجل الحفاظ على الوطن وثوابت الأمة،والوفاء لتضحيات الشعب الجزائري وعهد الشهداء
، فبعد عدة لقاءات في السر تارة والعلن تارة أخرى، انعقدت ندوة 18فيفري1989م وحضر المؤتمر التأسيسي في أوت 1989م، بمبادئ على قاعدة صحيحة، مدعومة بالإيمان العميق من أبناء أولئك الذي سقى آباؤهم شجرة الحرية بدمائهم، ثم أنعقت الندوة الثالثة يومي:(2،3 ماي 1991م،
والندوة الرابعة يوم 18جوان1993. لقد انصب الاهتمام في ندوة 18 فيفيري1989،على التصورات المستقبلية في ظل الثوابت والقيم التاريخية
فكر أبناء الشهداء خلال لقاءاتهم، في تخليد ذكرى
“الشهيد كرمز للتضحية” وتجنبا لأي لبس، واعتبارا لمليون ونصف المليون شهيد خلال سبع سنوات ونصف، أي بمعدل شهيد كل دقيقتين، ارتأى أبناء الشهداء المجتمعون بصفة شرعية بنادي الصنوبر يوم 18 فبراير 1998م أن كل يوم من أيام السنة يليق أن يكون يوما للشهيد ،ودون عناء، وقع الاختيار على ترسيم 18فيفيري كيوم وطني للشهيد، وهواليوم الذي جمع أبناء الشهداء من جميع ولايات الوطن لأول مرة في تلاحم مبدأي، في صورة شبيهة بتلاحم آبائهم ليلة أول نوفبر1954م، وحصل الإجماع على مواصلة المسيرة التي بدأها الشهداء من أجل استقلال الجزائر وكرامة أبنائها ،فمغزى هذا اليوم هو تذكير أبناء الجزائر من جيل الاستقلال بأن الحرية والسيادة والاستقلال ما كانت لتكون كلها لولا أن قدم الشعب مليون ونصف من خيرة أبنائه كثمن عظيم لها. ولكي يقف الشعب وجيل الاستقلال على حقيقة فرنسا وجرائمها.