نقدم لكم خطبة الجمعة عن الاشهر الحرم مكتوبة ومؤثرة.
خطبة عن الاشهر الحرم.
الأشهر الحرم وتعظيمها
الحمد لله المتينِ العظيم، اللطيفِ الحليم، الخبير الحكيم، وأشهد أن لا إله إلا هو رب العرش الكريم، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله، وصفيُّه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فإن من اتقاه صار من خير عباد الله، وأكرمهم عليه، وأقربهم إليه، يفوز بمرضاته، ويحوز من خيراته، والأمرُ لا يتطلب سوى مجاهدةِ النفس وحملها على الالتزام بحدود ربها، ومنعها عن شهواتها التي لا تحلُّ لها؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 35]، فنحن اليومَ عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30].
أيها الكرام، لا يخفى عليكم أن الله قد اختار أزمنةً وأمكنة اختصَّها بفضلٍ، أو تعظيم، أو تكريم، ومن ذلكم الأشهر الحرم؛ ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36]، وهي الأشهر التي بيَّنها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما، عن أبي بكرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – خطب في حجَّة الوداع، فقال في خطبته: ((إنَّ الزمانَ قد استدارَ كهَيئتِه يوم خلَق الله السمواتِ والأرضَ؛ السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعةٌ حُرُم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرَّم، ورجب مُضر الذي بين جمادى وشعبان)).
وإنَّ من أظهر الدلائل على استشعار حُرمة هذه الأشهر الحرم، الحذرَ من ظلم النفس فيها باجتِراح السيِّئات، ومقارَفَة الآثام، والتلوّث بالخطايا؛ امتثالاً لأمر الله – تعالى -: ﴿ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾، والمبادرة إلى التوبة، فالذنب في كلِّ زمان سوءٌ وشؤم وظلم للنفس؛ لكنَّه في الشهر الحرام أشدُّ سوءًا، وأعظم شؤمًا، وأفدح ظلمًا؛ لأنّه يجمع بين الذنب وبين امتهان حُرمة ما حرَّم الله وعظَّمه؛ قال الله: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ ﴾ [البقرة: 217]، وهذا في من ابتدأ القتال، أما من اعتُدي عليه، فإنه يدافع عن نفسه؛ قال الله: ﴿ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 191].
وما أعظمَ جرمَ الحوثيين خلَف القرامطة الرافضة الباطنيين! الذين طال فسادُهم وإجرامهم الآمنين الضعفاء من نساء وأطفال وشيوخ؛ بل حتى بيوت الله نالتْ نصيبًا من قذائفهم، وعاثوا فيها تدنيسًا وتشويهًا وخرابًا، وأوقفوا نداء الحق فيها، ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ﴾ [البقرة: 114]، ولكن بفضل الله، ثم بجهود جنودنا ردَّ الله كيدهم في نحورهم وتراجعوا، وقد طلب قياديهم السياسي من حكومتنا السعودية وقْف العمليات العسكرية على الحدود، حمى الله بلادنا وبلاد المسلمين من كل شر.
إخوة الإسلام:
ها نحن في نهاية شهر محرم، وأمامنا شهران محرمان، ولئن كان احترام الشهر الحرام أمرًا متوارَثًا لدى أهل الجاهلية، يعبِّر عنه إمساكُهم فيه عن سفْك الدم الحرام، مع ما هم فيه من شرور وآثام، فأجدر بالمسلِم الذي يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه، أن يكفَّ عن الحرام، ويبادر إلى التوبة عند الزلل، وأن يكثر من القُرُبات والطاعات.
قال قتادة: “العمل الصالح أعظم أجرًا في الأشهر الحرم، والظلم فيهنَّ أعظم من الظلم فيما سواهن، وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا”؛ اهـ.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الهادي إلى سواء السبيل، وأَشهَد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحدَه لا شريك له، وأشهَد أنَّ سيدنا ونبيَّنا محمدًا صاحب الحوض المورود، والمقام المحمود – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وصحبه.
وبعد:
ففي الأشهر الحرم أعظمُ أيام السنة؛ أيام عشر ذي الحجة التي أقسم الله بها في قوله: ﴿ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 2]، قال ابن عباس: عشر ذي الحجة، وهي التي قال فيها المصطفى – صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أيامٍ العملُ الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر))؛ أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني.
ومن أعظم القُرب فيها الحج، وفيها الذِّكر المطلق والمقيد، والأضاحي، وعمومًا فالطاعة فيها أفضل من غيرها، ونذكِّر بقول المصطفى – صلى الله عليه وسلم -: ((إِذَا دَخَلَتِ العَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا))؛ رواه مسلم، وله: ((فلا يأخذنَّ شعرًا، ولا يقلمنَّ ظفرًا)).
وقد قال العلماء في الحكمة من ذلك: “أن يبقى كاملَ الأجزاء؛ ليعتق من النار، وقيل: تشبُّهًا بالمُحرِم”، والله أعلم، ومن لم ينوِ الأضحية إلا في أثناء العشْر، أمسك عن الحلق إن لم يكن أمسك من قبل.
ويسأل كثير من الناس عن أهل البيت: هل يمسكون عن قص الأظفار والشعر أو لا؟
والجواب: المُضحَّى عنهم لا يتناولهم هذا الحديثُ؛ فلا بأس أن تأخذ الزوجة والأولاد من شعرهم وأظفارهم كما في جواب للجنة الدائمة، وكذا الموكَّل لا يلزمه الإمساك إلا إذا كان سيضحى عن نفسه أيضًا.
نسأل الله – تعالى – من فضله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يعيننا على أنفسنا بالخشية منه – سبحانه – وتقواه.