خطبة عن بدعة الاحتفال بالمولد النبوي مكتوبة 2021
خطبة عن بدعة الاحتفال بالمولد النبوي
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، وسَلّم تسليمًا كثيرًا.
أَمّا بعد: عباد الله!
اتقوا الله تعالى كما أمركم بذلك فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71] .
عباد الله!
إن البدع والمحدثات في الدين من الأمور التي حرمها الله تعالى ورسوله، وإن من البدع المحدثة التي يتعبد بها بعض المسلمين بدعة ا لاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
والاحتفال بالمولد بدعة منكرة، وأول من أحدثها العبيديون في القرن الرابع الهجري، وقد بيّن العلماء قديمًا وحديثًا بطلان هذه البدعة والرد على من ابتدعها وعمل بها، فلا يجوز الاحتفال بالمولد، لأمور وبراهين منها:
أولًا: الاحتفال بالمولد من البدع المحدثة في الدين التي ما أنزل الله بها من سلطان؛ لأن النبي – صلّى الله عليه وسلّم – لم يشرعه لا بقوله، ولا فعله، ولا تقريره، وهو قدوتنا وإمامنا، قال الله عز وجل: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَاب ﴾[1]، وقال سبحانه: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾[2]، وقال النبي – صلّى الله عليه وسلّم -: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد”[3].
ثانيًا: الخلفاء الراشدون ومن معهم من أصحاب النبي – صلّى الله عليه وسلّم – لم يحتفلوا بالمولد، ولم يدعوا إلى الاحتفال به، وهم خير الأمة بعد نبيها، وقد قال – صلّى الله عليه وسلّم – في حق الخلفاء الراشدين: “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة” [4] .
ثالثًا: الاحتفال بالمولد من سنة أهل الزيغ والضلال؛ فإن أول من أحدث الاحتفال بالمولد الفاطميون، العبيديون في القرن الرابع الهجري، وقد انتسبوا إلى فاطمة رضي الله عنها ظلمًا وزورًا، وبهتانًا؛ وهم في الحقيقة من اليهود، وقيل من المجوس، وقيل من الملاحدة[5]، وأولهم المعز لدين الله العبيدي المغربي الذي خرج من المغرب إلى مصر في شوال سنة 361هـ، وقدم إلى مصر في رمضان سنة 362هـ[6]، فهل لعاقل مسلم أن يقلد الرافضة ويتبع سنتهم ويخالف هدي نبيه محمد – صلّى الله عليه وسلّم -؟.
رابعًا: إن الله عز وجل قد كمل الدين فقال سبحانه وتعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ﴾[7]، والنبي – صلّى الله عليه وسلّم – قد بلغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقًا يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة، ومعلوم أن نبينا – صلّى الله عليه وسلّم – هو أفضل الأنبياء، وخاتمهم، وأكملهم بلاغًا، ونصحًا لعباد الله، فلو كان الاحتفال بالمولد من الدين الذي يرضاه الله عز وجل لبيَّنه – صلّى الله عليه وسلّم – لأمته، أو فعله في حياته، قال – صلّى الله عليه وسلّم -: “ما بعث الله من نبي إلا كان حقًا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم” [8] .
خامسًا: إحداث مثل هذه الموالد البدعية يفهم منه أن الله تعالى لم يكمل الدين لهذه الأمة، فلا بد من تشريع ما يكمل به الدين! ويفهم منه أن الرسول – صلّى الله عليه وسلّم – لم يبلغ ما ينبغي للأمة حتى جاء هؤلاء المبتدعون المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به سبحانه، زاعمين أن ذلك يقربهم إلى الله، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم، واعتراض على الله عز وجل، وعلى رسوله – صلّى الله عليه وسلّم -. والله عز وجل قد أكمل الدين وأتم على عباده نعمته.
سادسًا: صرح علماء الإسلام المحققون بإنكار الموالد، والتحذير منها عملًا بالنصوص من الكتاب والسنة، التي تحذر من البدع في الدين، وتأمر بإتباع النبي – صلّى الله عليه وسلّم -، وتحذر من مخالفته في القول وفي الفعل والعمل.
سابعًا: إن الاحتفال بالمولد لا يحقق محبة الرسول – صلّى الله عليه وسلّم -، وإنما يحقق ذلك: اتباعه، والعمل بسنته، وطاعته – صلّى الله عليه وسلّم -، قال الله عز وجل: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾[9].
ثامنًا: الاحتفال بالمولد النبوي واتخاذه عيدًا فيه تشبه باليهود والنصارى في أعيادهم، وقد نُهينا عن التشبه بهم، وتقليدهم[10].
تاسعًا: العاقل لا يغتر بكثرة من يحتفل بالمولد من الناس في سائر البلدان، فإن الحق لا يعرف بكثرة العاملين، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾[11]، وقال عز وجل: ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾[12]، وقال سبحانه: ﴿ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾[13].
عاشرًا: القاعدة الشرعية: رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله – صلّى الله عليه وسلّم – كما قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾[14]، وقال عز وجل: ﴿ وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ﴾[15]، ولا شك أن من رد الاحتفال بالمولد إلى الله ورسوله يجد أن الله يأمر بإتباع النبي – صلّى الله عليه وسلّم – كما قال سبحانه: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ﴾[16]، ويبين سبحانه وتعالى أنه قد أكمل الدين وأتم النعمة على المؤمنين. ويجد أن النبي – صلّى الله عليه وسلّم – لم يأمر بالاحتفال بالمولد، ولم يفعله، ولم يفعله أصحابه، فعلم بذلك أن الاحتفال بالمولد ليس من الدين، بل هو من البدع المحدثة.
الحادي عشر: إن المشروع للمسلم يوم الاثنين أن يصوم إذا أحب؛ لأن النبي – صلّى الله عليه وسلّم – سئل عن صوم يوم الإثنين، فقال: “ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت، أو أنزل عليَّ فيه” [17] ، فالمشرع التأسي بالنبي – صلّى الله عليه وسلّم – في صيام يوم الإثنين، وعدم الاحتفال بالمولد.
الثاني عشر: عيد المولد النبوي لا يخلو من وقوع المنكرات والمفاسد غالبًا، ويعرف ذلك من شاهد هذا الاحتفال ومن هذه المنكرات على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:
1- أكثر القصائد والمدائح التي يتغنَّى بها أهل المولد لا تخلو من ألفاظ شركية، والغلو والإطراء الذي نهى عنه رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم -، فقال: “لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله” [18] .
2- يحصل في الاحتفالات بالموالد في الغالب بعض المحرمات الأخرى: كاختلاط الرجال بالنساء، واستعمال الأغاني والمعازف، وشرب المسكرات والمخدرات، وقد يحصل فيها الشرك الأكبر كالاستغاثة بالرسول – صلّى الله عليه وسلّم -، أو غيره من الأولياء، والاستهانة بكتاب الله عز وجل فيشرب الدخان في مجلس القرآن، ويحصل الإسراف والتبذير في الأموال، وإقامة حلقات الذكر المحرف في المساجد أيام الموالد مع ارتفاع أصوات المنشدين مع التصفيق القوي من رئيس الذاكرين، وكل ذلك غير مشروع بإجماع علماء أهل الحق[19].
3- يحصل عمل قبيح في الاحتفال بمولد النبي – صلّى الله عليه وسلّم -، وذلك يكون بقيام البعض عند ذكر ولادته – صلّى الله عليه وسلّم – إكرامًا له وتعظيمًا، لاعتقادهم أن رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – يحضر المولد في مجلس احتفالهم؛ ولهذا يقومون له محيين ومرحبين، فإن رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس، ولا يحضر اجتماعهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلا عليين عند ربه في دار الكرامة[20]، كما قال الله عز وجل: ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ﴾[21]، وقال عليه الصلاة والسلام: “أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع” [22] ، فهذه الآية، والحديث الشريف وما جاء في هذا المعنى من الآيات والأحاديث كلها تدل على أن النبي – صلّى الله عليه وسلّم – وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة. “وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين، ليس فيه نزاع بينهم”[23].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ﴾ بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: عباد الله!
اتقوا الله تعالى، واعلموا أن البدع في الدين من الأمور المحرمة التي حرمها الله تعالى ورسوله – صلى الله عليه وسلم – ، ومن هذه البدع كما سمعتم بدعة الاحتفال بالمولد، وما يحصل فيه من المفاسد والاختلاط بين الرجال والنساء، والمضاهاة لدين الله تعالى، وتعدّي حدوده، فاتقوا الله تعالى، واتّبعوا ولا تبتدعوا.
هذا وصلوا على خير خلق الله نبينا محمد بن عبد الله كما أمركم الله تعالى بذلك فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [24] ، وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “مَن صلّى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا”[25]، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وارضَ اللهم عن أصحابه: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعَنّا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، واحمِ حوزة الدين، اللهم آمِنّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا، وجميع ولاة أمر المسلمين. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لأمواتنا وأموات المسلمين، وأعذهم من عذاب القبر وعذاب النار، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم إنا نسألك الهدى والتُّقى، والعفاف والغنى، اللهم اهدنا وسددنا، ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾[26].
عباد الله!
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾[27]، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾[28].
[1] سورة الحشر، الآية: 7.
[2] سورة الأحزاب، الآية: 21.
[3] متفق عليه: البخاري، برقم 2697، ومسلم، برقم 1718، وتقدم تخريجه ص33.
[4] أبو داود، برقم 4607، والترمذي، برقم 2676، وتقدم تخريجه ص42.
[5] انظر: الإبداع في مضار الابتداع، للشيخ علي محفوظ، ص251، والتبرك: أنواعه وأحكامه، للدكتور ناصر بن عبدالرحمن الجديع، ص359-373، وتنبيه أولي الأبصار إلى كمال الدين وما في البدع من أخطار، للدكتور صالح السحيمي، ص232.
[6] انظر: البداية والنهاية: لابن كثير، 11/272-273، 345، 12/267-268، و6/232، 12/63، 11/161، 12/13، 12/266، وانظر: سير أعلام النبلاء للذهبي، 15/159-215، وذكر أن آخر ملوك العبيدية: العاضد لدين الله، قتله صلاح الدين الأيوبي سنة 564هـ، قال: “تلاشى أمر العاضد مع صلاح الدين إلى أن خلعه وخطب لبني العباس واستأصل شأفة بني عبيد ومحق دولة الرفض، وكانوا أربعة عشر متخلفاً لا خليفة، والعاضد في اللغة: القاطع، فكان هذا عاضداً لدولة أهل بيته، 15/212.
[7] سورة المائدة، الآية: 3.
[8] مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء: الأول فالأول، 2/1473، برقم 1844.
[9] سورة آل عمران، الآية: 31.
[10] انظر: اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، لابن تيمية، 2/614-615، وزاد المعاد، لابن القيم، 1/95.
[11] سورة الأنعام، الآية: 116.
[12] سورة يوسف، الآية: 103.
[13] سورة سبأ، الآية: 13.
[14] سورة النساء، الآية: 59.
[15] سورة الشورى، الآية: 10.
[16] سورة الحشر، الآية: 7.
[17] صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه، كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم يوم عرفة وعاشوراء، والإثنين والخميس، 2/819، برقم 1162.
[18] البخاري، كتاب الأنبياء، باب قوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ… ﴾ 4/171، برقم 3445.
[19] انظر: الإبداع في مضار الابتداع، للشيخ علي محفوظ، ص 251-257.
[20] انظر: التحذير من البدع، لسماحة العلامة الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، ص13.
[21] سورة المؤمنون، الآية: 15-16.
[22] مسلم، كتاب الفضائل، باب تفضيل نبينا محمد – صلّى الله عليه وسلّم – على جميع الخلائق، 4/1782، برقم 2278.
[23] التحذير من البدع، ص14، وص7-14، وانظر: الإبداع في مضار الابتداع للشيخ علي محفوظ ص250-258، والتبرك: أنواعه وأحكامه، للدكتور ناصر بن عبدالرحمن الجديع، ص358-373، وتنبيه أولي الأبصار إلى كمال الدين وما في البدع من أخطار، ص228-250.
[24] سورة الأحزاب، الآية: 56.
[25] مسلم، برقم 384.
[26] سورة البقرة، الآية: 202.
[27] سورة النحل: الآية: 90.
[28] سورة العنكبوت: الآية: 45.
المصدر شبكة الالوكة.
خطبة عن بدع الاحتفال بالمولد النبوي
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتمَّ علينا نعمته، ورضي لنا الإسلام دينًا، ونَصب الأدلة على صحَّته، وبيَّنها لنا وجلَّاها، وأعان مَن أراد هدايته مِن خلقِه على لزوم شرعِه، وكَفَى بِربِّنا هاديًا ومُعينًا، وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، جاء بشريعة واضحة نقيِّة، وحَنيفيَّة غرَّاء سَويَّة بهيَّة، ورفَع الله ذِكره، وجعله أفضل خلقه، وأحبَّ وأثنى على مَن سار على سُنَّته، واقتفى أثره في القول والعمل، والفِعل والترْك، فصلَّى الله عليه كثيرًا، ورضي عن آل بيته الميامين، وأصحابه الحاملين لراية السُّنَّة علمًا وعملًا ودعوة وحُبًّا وتعظيمًا، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خيرًا.
أمَّا بعد، فيا أمَّة النَّبيِّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم:
لو اختلف اثنان مِنكم وتنازعا، فقال أحدهما: إنَّ الاحتفال بيوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم مباح، بل أمر طيِّب حسَن، وقال الآخَر: بل الاحتفال بيوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم غير مشروع، وبدعة في الدين محرَّمة، فلا ريب أنَّ المُصيبَ المنصورَ بأدلَّة القرآن والسُّنة النَّبوية الثابتة، وأقوالِ وأفعال الصحابة، هو الثاني، الذي حرَّم هذا الاحتفال، ولم يَحتفل، ولا دعا إليه، ولا أعان عليه، وحذَّر إخوانه المسلمين مِن الاحتفال.
وكيف لا يكون مُصيبًا، وبالحق نَطق، وله اتَّبع، وعليه سار، والله ــ جلَّ وعلا ــ قد قال آمِرًا له ولجميع العباد: { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ }، وهو سبحانه قد أنْزَل علينا وإلينا القرآن والسُّنة النبوية، وتارك الاحتفال والناهي عنه قد نظر فيهما فلم يَجد الاحتفال بالمولد فيهما، وقد قال الفقيه الفاكِهانِيُّ المالكيُّ ــ رحمه الله ــ في رسالته “المَورِد في عمل المولد”(ص:20): «لا أعلم لهذا المولد أصلًا في كتاب ولا سُّنة، ولا يُنقل عمله عن أحدٍ مِن علماء الأمَّة، الذين هُم القدوة في الدين، المتمسِكون بآثار المتقدِّمين».
كيف لا يكون مُصيبًا، وبالحق نَطق، وله اتَّبع، وعليه سار، وهذا الاحتفال لم يَفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه، ولا مَن بعدهم مِن سَلف الأمَّة الصالح الذين هُم خير الناس، وأعلمُهم بنصوص الشرع، وأشدُّهم عملًا بها، وأكثرُهم متابعة لها، وهو قد تابعهم فلم يَحتفل، ولا دعا إلى هذا الاحتفال، ولا أعان عليه، وقد قال علامة بلاد اليمن الشوكانيُّ ــ رحمه الله ــ عن الاحتفال بالمولد في “فتاويه” (2/ 1087): «أجمع المسلمون أنَّه لم يوجد في عصر خير القرون، ولا الذين يلونهم، ولا الذين يلونهم»، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ))، فهنيئًا لِمَن اتَّبع أهل هذه القرون الثلاثة الذين هُم خير الناس في تَرْكِ الاحتفال بالمولد، ولا ريب أنَّ متابِعَهم فيما فعلوه وتركوه على حقٍّ وهُدًى وطريقٍ سديد، ومخالِفَهم على باطل وفي ضلال يسير.
كيف لا يكون مُصيبًا، وبالحق نَطق، وله اتَّبع، وعليه سار، وهو مُتشبِّهٌ بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وباقي سَلف الأمَة الصالح، وأئمة أهل العلم كأبي حنيفة ومالكٍ والشافعيِّ وأحمد وأهلِ زمانهم في تَرْكِ الاحتفال بالمولد، ومُخَالِفُه الذي يَحتفل بالمولد مُتشبِّه بأعداء الله، وأعداء دينه ورسوله، وأعداء الصحابة، والمؤمنين بعدهم، مِن الشِّيعة الرافضة العُبيدية الباطنية الفاطمية الخوارج، إذ نَصَّ كثير مِن العلماء والمؤرِّخين مِن مُختلِّف العصور والبلدان والمذاهب الفقهية على: “أنَّ أوَّلَ مَن أحدث الاحتفال بالمولد النبوي هُم ملوك الدولة العُبيدية الرافضية الباطنية الخوارج”.
ومِمَّن ذكر هذا وأشار إليه: مؤرِّخُّ مَصر تَقِيُّ الدين المَقْرِيزيُّ الشافعيُّ في كتابه “المواعظِ والاعتبار بِذكر الخِطَطِ والآثار” (1/ 490)، وأديبُ عصر المماليك أبو العباس الْقَلْقَشَنْدِيُّ في كتابه “صُبحِ الأعشى في صناعة الإنشاء” (3/ 498-499)، والفقيهُ علي محفوظ الأزهري في كتابه “الإبداع في مضار الابتداع” (ص:126)، والأستاذُ علي فِكري في كتابه “المحاضرات الفكرية” (ص:84)، ــ رحمهم الله ــ.
بل قال الشيخ المُطيعىُّ الحنفيُّ مُفتي مصرَ ــ رحمه الله ــ في كتابه “أحسنِ الكلام”(ص:44-45): «مِمَّا أُحْدِثَ وكثُرَ السؤالُ عنه المولد، فنقول: إنَّ أوَّل مَن أحدثها بالقاهرة الخلفاءُ الفاطميون، وأوَّلُهم المُعِزُّ لدين الله، توجَّه مِن المغرب إلى مِصر في شوال سَنةَ إحدى وسِتين وثلاثِ مئة، ودخلَ القاهرة لِسبعٍ خَلَونَ مِن شهر رمضان في تلك السَّنة، فابتدعوا سِتَّةَ موالد: المولدَ النبوي، ومولدَ علي بن أبي طالب، ومولدَ فاطمة الزهراء، ومولدَ الحسن، ومولدَ الحسين، ومولدَ الخليفة الحاضر، وبَقِيَت هذه الموالد على رُسُومِها إلى أنْ أبطلها الأفضلُ ابنُ أمير الجيوش».
وهؤلاء العُبيديةُ الباطنية الرافضية الفاطمية الخوارج الذين أحدثوا الاحتفال بالمولد النبوي وغيره مِن الموالد في بلاد المسلمين، قد قال الحافظُ المؤرِّخُ شَمسُ الدين الذهبيُّ الشافعيُّ ــ رحمه الله ــ في كتابه “سِير أعلام النُّبلاء” (15/ 141) إنَّهم: «قَلبوا الإسلام، وأعلنوا الرَّفض، وأبطنوا مذهب الإسماعيلية»، وقال عنهم فقيهُ المالكيةِ القاضي عِياضٌ ــ رحمه الله ــ في كتابه “ترتيب المدارك وتقريب المسالك” (7/ 277): «أجمع علماء القَيروان: أنَّ حالَ بَنِي عُبيدٍ حالَ المرتدِّين والزَّنادقة، بما أظهروه مِن خِلاف الشريعة، فلا يُورَثون بالإجماع، وحالَ الزَّنادقة بما أخفوه مِن التعطيل، فيُقتلون بالزَّندقة».
إذَن فالمحتفِل بالمولد النبوي وغيرِه مِن الموالد مُقتدٍ ومُتشبِّهٍ ــ شاء أمْ أبَى ــ بالرافضة الباطنية العُبيدية الخوارج الزَّنادقة المنافقين أعداءِ الصحابة والمؤمنين، فَهُم أوَّل مَن أحدَثَه وفَعلَه وأمَرَ بِه، وليس بمقتدٍ ولا مُتشبِّهٍ بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا بأصحابه، ولا بأحد مِن سَلف الأمَّة الصالح، ولا بأئمة المذاهب الأربعة، أفيرضَى مسلمٌ سُنِّيٌّ حريصٌ على دينه وآخِرتِه بعد معرفة هذا أنْ يكون هؤلاء القوم المُنحرفون الضالون هُم قُدوته وسَلفه في الاحتفال بالمولد؟ وإنَّك والله لتعجب أشدَّ العجَبِ وأغرَبَه حين تسمع بعض الناس يقول: “نحن مِن أتباع الأئمة أبي حنيفة أو مالكٍ أو الشافعي أو أحمد”، وإذا بك تراه في أمْر المولد لا يَتَّبِعُهم ولا يُتابعُهم فيتركَ الاحتفال بِه، كما تركوه ولم يفعلوه، بل يُتابع ويُقلِّد أعداءهم مِن الرافضة العبيدية الخوارج الزَّنادقة.
كيف لا يكون مَن لا يَحتفل بالمولد ويُحذِّر مِنه ويَنهى عنه مُصيبًا، وبالحق نَطق، وله اتَّبع، وعليه سار، والاحتفال بالمولد أمْر مُحدَث في دين الله، أحدَثه العُبيديون الرافضة الخوارج في القرن الرابع الهجري، وقد صحَّت أمور عديدة في شأن الأقوال والأفعال المُحْدثة في الدين، مِنها:
أوَّلًا ــ أنَّ الأمورَ المُحدَثةَ في الدين شرٌ وبدعةٌ وضلالة، لِما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال في موعظته الوداعية زاجِرًا أمَّته ومُحذِّرًا: (( إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ )).
ثانيًا ــ أنَّ الأمورَ المُحدَثةَ في الدين مردودةٌ على صاحبها لا يَقبلها الله مِنه إذا فعلَها أو قالها، لِما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ )).
ثالثًا ــ أنَّ الأمورَ المُحدَثةَ في الدين مُتَوَعَّدٌ عليها بالنار والعذاب فيها، حيث صحَّ عن عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( وَإِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ )).
ولا ريب أنَّ ما وُصِفَ في الشرع بأنَّه شرٌّ، وبدعة، وضلالة، وفي النار، ومردود على صاحبه، يَدخل في المحرَّمات الشديدة التحريم.
وإنَّ مِن عجيب أمْرِ بعضهم وغرابته، قولَه عن الاحتفال بالمولد: “إنَّه بدعة حسَنة”، مع أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حكم بأنَّ جميعَ البدع ضلالاتٌ، والضلالات لا حَسن فيها البتَّه، فصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يقول في خُطبه: (( وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ))، ولفظة: (( كُلّ )) مِن صِيغ العموم عند أهل اللغة والأصول وغيرهم، وتَعني: أنَّه لا تُوجد بدعة في الدين إلا وهي في شريعة الله ضلالة، وقد صحَّ عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال: (( كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَإِنْ رَآهَا النَّاسُ حَسَنَةً )).
بارك الله لي ولكم فيما سمعتم، ونفعنا بِه، وجنَّبنا البدع في الدين، وكفانا شرَّ دعاتها ومجالسها، إنَّه جواد كريم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي هدانا لاتبّاع سيِّد المرسلين، وأيَّدَنا بالهداية إلى دعائم الدين، ويسَّر لنا اقتفاءَ آثارِ السَّلفِ الصالحين، وطهَّر بواطنَنا وظواهرَنا مِن الابتداع في الدين، والصلاةُ والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، صلاة دائمة إلى يوم الدين.
أمَّا بعد، فيا أتباعَ سيِّدِ ولدِ آدمَ أجمعين صلى الله عليه وسلم:
إنَّ بعض الناس ــ أصلحهم الله ــ لا يُغالِطون إلا أنفسهم، ولا يضُرُّون إلا بدينهم وآخِرتهم، إذ تسمعُهم يقولون مسوِّغِين لاحتفالهم ومَن معهم بالمولد: “إنَّ معنا على هذا الاحتفال أكثرَ المسلمين اليوم”، فيُقال لهم: لا ينفعُكم هذا التخريج لأنفسكم ومَن معَكم عند الله تعالى، ولا عند عباده المؤمنين، لأنَّكم تعلمون يقينًا أنَّ الله ــ عزَّ وجلَّ ــ ورسولَه صلى الله عليه وسلم لم يَجعلا الكثرة ميزانًا لمعرفة الحق، ولا دليلًا لِصحِّة قولٍ أو فعلٍ أو ترْك، بل الميزان هو: قال الله تعالى، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وفعلَ صلى الله عليه وسلم وترَك، وقال الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ وفعلوا وتركوا، بل إنَّ الله قد كشف لنا في كتابه حال الأكثرية مِن الناس فقال سبحانه: { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ الله }، وبيَّن رسولُه صلى الله عليه وسلم أنَّ أمَّتَه سَتفترِق، وأنَّ أكثر فِرقها على ضلال وانحراف، فصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ))، ويُقال لهم أيضًا: إنَّ مع مَن لا يحتفلون بالمولد النبوي وغيرِه مِن الموالد الرُّكنَّ الأقوى، والجانِبَ الأعلى، والدليلَ الأكبر، فمعَهم الله ــ جلَّ وعزَّ ــ إذ لم يأمْر بالاحتفال بالمولد، ولا رغَّبَ فيه، ولا دعا إليه، ومعهم الرسول صلى الله عليه وسلم، والصحابة، وجميع أهل القرون الثلاثة الأولى، وأئمة المذاهب الأربعة، ومَن في أزمنتهم مِن أئمة الإسلام والسُّنة، حيث لم يَحتفلوا، ولا دعوا الناس للاحتفال، فهنيئًا لِمَن كان هؤلاء جميعًا في جانبه، ومعَه فيما هو عليه، وما فَعلَ وترَك وحذَّر، ولا ريب أنَّه هو المُحِقُّ والمُصيبُ قطعًا ويقينًا، وعلى الصِّراط السَّوي يسير، وقد قال الفقيهُ التِّزْمَنْتِيُّ الشافعيُّ ــ رحمه الله ــ عن الاحتفال بالمولد النبوي كما في “السِّيرة الشامية” (1/ 442): «هذا الفِعل لم يَقع في الصَّدر الأوَّل مِن السَّلف الصالح مع تعظيمهم وحُبِّهم له صلى الله عليه وسلم إعظامًا ومحبَّة لا يَبلغ جميعنا الواحد مِنهم»، وقال الفقيهُ الفاكِهانيُ المالكيُ ــ رحمه الله ــ في رسالته “المَورِد في عمل المولد”(ص:20): «هذا المولد لا يُنقل عمله عن أحدٍ مِن علماء الأمَّة، الذين هُم القدوة في الدين، المتمسٍكون بآثار المتقدِّمين».
ولئِن كانت في نفوس المحتفلين بالمولد رغبةٌ ونشاطٌ وتَحمُّسٌ لِفعل الطاعات، والمنافسةِ والمسابقة إلى الحسنات المُنجيات، والاجتهادِ في العبادات، والإكثارِ والزيادة في القُربات، فلتَدَع عنها الاحتفال بيوم المولد لاسِيَّما بعد ما سمعَت عنه ما سمعت، وعرَفت بدايتَه، ومَن أحدَثَه، وحكمَه، ولا تٌخاطر بأنفسها، ولتقُل لها: يا نفسُ كم مِن العبادات والطاعات التي جاءت في القرآن الكريم، وثبتت في السُّنة النبوية، وأنت لا تفعلينها، ولا تجتهدين في تحصيلها؟، يا نفسُ هلُمِّ إلى فِعلها والإكثار مِنها، والتزوُّدِّ قبل الوفاة، وقبلَ العرْض والجزاء؟، يا نفسُ إنَّ مِن العيب أنْ تُقصِّري أو تتساهلي أو تَضعُفي أو تتكاسلي في عبادات كثيرة قد ثبتت فيها النُّصوص الشرعية، وتنوَّعت أدلَّتُها وتعدَّدت، وجاء الوعيد على تركها، وعَظُمَ الأجْر في فِعلها، وأنت لا تقومين بِها، ولا تتحمّسين لها.
ومَن كان يُحب الله تعالى فقد أرشدَه سبحانه لطريق وشاهد محبَّته، وامتحنَه بِه، فقال سبحانه: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ }، وقد اتَّبعناه صلى الله عليه وسلم فلم نحتفل بالمولد، لأنَّه لم يحتفل بِه، ونرجو أنْ ننال بذلك محبَّة الله ومغفرته.
هذا وأسأل الله الكريم: أنْ يجعلنا مِمَّن يُحبُّهم ويُحبونه، ومِمَّن تُغفر لهم ذنوبهم باتباعهم لرسوله، وأنْ يوفِّقنا لمعرفة الحق واتِّباعه، ومعرفة الباطل واجتنابه، اللهم اهدنا الصراط المستقيم، وتجاوز عن تقصيرنا وسيئاتنا، واغفر لنا ولوالدينا وجميع أهلينا، وبارك لنا في أعمارنا وأعمالنا وأقواتنا وأوقاتنا، اللهم اكشف عن المسلمين ما نَزل بِهم مِن ضُرٍّ وبلاء، وفقرٍ وجلاء عن بلادهم، ووسِّع علينا وعليهم في الأمْن والرِّزق والعافية، وجنِّبنا وإيَّاهُم الفتن ما ظهر مِنها وما بطن، ووفِق ولاتنا وولاتهم، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة المُصلِحة، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.