فى كلام نيوز خطبة عن التضحية من اجل الدين
أما بعد:
معاشر المسلمين: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، اتقوا الله تعالى وراقبوه وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين.
أيها الإخوة المؤمنون: لقد تغير في هذه الأزمان كل شيء، وشمل هذا التغير جميع نواحي الحياة.
لقد تغيرت المفاهيم، وطاشت الموازين، وغاب وازع الدين، ولم يبق من الإسلام إلا اسمه، ولا من الدين إلا رسمه، وصار أمر الدين وهمُّ الإسلام آخر اهتمامات المسلمين، إن كان له في نفوسهم همّ، أواصر الدين وروابط الإسلام توشك أن تنقطع، إن لم تكن قد انقطعت، وأصبحت الدهماء تسير وراء سراب الدنيا وتتسابق عليه.
ولكن السراب وإن زان لمعانه، وأعجب الناظرين بريقه وجماله فهو سراب، (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا) [النور:39]، وليته لما لم يجده شيئًا قنع ونظر في نفسه وحاله، ولكنه انطلق خلف سراب آخر… وهكذا دواليك.
لقد تغير في الناس حتى دينهم والتزامهم، نعم تغير دينهم، فما كانوا يرون به بأسًا بالأمس هو من الجائزات اليوم، وما كان خطيئة وإثمًا بالأمس أصبح حسنة وطاعة اليوم، وهي الفتنة التي قال الله عنها: (فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63].
قيل لأحد علماء السلف: ما الفتنة في هذه الآية؟! قال: أن يصبح ما كنت تراه حرامًا حلالاً أو ما كنت تراه حلالاً حرامًا، يعني بدون دليل شرعي.
ولقد صدق الإمام الناسك -أعني أنس بن مالك- حين قال كما في الصحيح: “وإنكم لتعملون أعمالاً هي في أعينكم أدق من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الموبقات”. لمن يقول هذا الكلام -أيها الإخوة-؟! إنه يقول للتابعين، وهم من القرون المفضلة.
ولقد أدرك أنس بن مالك تغير الأمة ولاحظ بدء قصورها، فرأى حين رجع إلى المدينة بعد أن مكث في الشام دهرًا قليلاً، وجد الناس لا يسوون صفوفهم، فقال: “لقد تغيرت علي صفوف الناس في صلاتهم”. يعني على عهد النبي –صلى الله عليه وسلم-.
لقد عرف أنس بن مالك أن هذه هي بداية ميلان الجادة وانحراف الطريق، فماذا يقول يا ترى لو أدرك زماننا؟! ورأى أحوالنا؟!
ليت الناس ما غيروا إلا صفوفهم، لكان الأمر سهل والخطب أخف، ولست أقول: هلك الناس، ولست بالمهلك، ففي الزوايا خبايا وفي الرجال بقايا، وكيف أهلك الناس وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: “من قال: هلك الناس، فهو أهلكهم”. على الوجهين. ونؤمن بقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: “لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله”. رواه البخاري ومسلم.
ولكن لا يخفى على أي مؤمن صادق ما آل إليه أمر الناس وحال المسلمين اليوم من الغرابة، فالموافق المتابع فيه لما عليه الرعيل الأول قليل، والمخالف هو الكثير، وقد اندرست رسوم كثير من الشريعة أو كادت وانمحت بعض مظاهر الدين أو زالت، وإلى الله المشتكى وإليه الملجأ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وقد حفظ الله بمنّه وكرمه هذه البلاد المباركة، وفّق الله القائمين عليها لكل ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.
وكأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينطق بيننا ويعيش بين أظهرنا، حين أخبرنا عن زماننا هذا. فقال كما في الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي هريرة: “بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود كما بدأ، فطوبى للغرباء”.
وفي رواية الإمام أحمد: قيل: من الغرباء؟! قال: “الذين يصلحون إذا فسد الناس”.
وروى الإمام أحمد وابن المبارك في الزهد بإسناد فيه ضعف، عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “طوبى للغرباء”، قالوا: يا رسول الله: من هم؟! قال: “أناس صالحون في أناس سوءٍ كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم”. وفي رواية: “من يبغضهم أكثر ممن يحبهم”.