فى كلام نيوز تحضير درس ابو تمام
أضواء على القصيدة
في عام 1961 كانت المعركة محتدمة بين جيل الشباب من الشعراء المجددين وعلى رأسهم عبد الصبور وحجازي ، وجيل القدماء وعلى رأسهم العقاد
، فضلا عن المعركة السياسية والحربية مع قوى الاستعمار الخارجي في شتى أنحاء الوطن العربي من شرقه إلى غربه ، وحدث في ذلك العام أن أقيم مهرجان أبي تمام في دمشق
، فاعترض رئيس لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للفنون والآداب على سفر عبد الصبور ورفيقه حجازي لحضور هذا المهرجان ، فما كان منهما إلا أن رفضا هذا الاعتراض والسفر بطريقة ما
إلى دمشق لحضور المهرجان . فقال حجازي قصيدته المشهورة في هجاء العقاد ملتزما الوزن والقافية ليثبت له قدرة الشباب على نظم الشعر التقليدي ،
ويمكن قراءة القصيدة كاملة في ديوان حجازي ” أوراس ” في طبعته الثانية الصادرة عن دار سعاد الصباح سنة 1993 ، على أية حال يقول في مطلعها :
من أي بحر عصي الريح نطلبه
إن كنت تبكي عليه نحن نكتبه
يا من يحدث في كل الأمور ولا
يكاد يحسن أمرا أو يقربه (1) .
عبد الصبور
وواضح في المطلع ثورة الشاب احمد حجازي وتطاوله على الشيخ العقاد ، وقد اعتذر حجازي عن ذلك عندما نشر هذه القصيدة في الديوان ، وهكذا كان ـ على أية حال ـ موقف حجازي . فماذا كان موقف صلاح عبد الصبور ؟ هل ثار وغضب مثل صاحبنا حجازي ؟ نعم
! ولكن غضب عبد الصبور وثورته جاءا مختلفين تماما ، لقد كان غضبا شعريا فنيا إذا جاز القول ، غضبا عاما وثورة منحازة لكل المجددين ضد التقليديين ،
من هنا كان اختيار أبي تمام الشاعر المجدد ، بل زعيم المجددين في العصر العباسي لتكون القصيدة باسمه ، بل ويكون الانتماء له ، فيشير في القصيدة إلى أنه حفيد أبي تمام كما سنرى في التحليل
، من ناحية ثانية التزم عبد الصبور الشكل الجديد في بناء القصيدة فكان التحدي على طريقته وعلى طبيعته الخاصة ، فهو ليس في حاجة إلى أن يثبت للعقاد أنه يجيد النظم ملتزما الوزن والقافية
، ومن ناحية ثالثة يتحدى العقاد أيضا على مستوى المضمون الشعري فيمكن للشعر الجديد أن يلامس بقوة قضايا الواقع فيحمل مضمونا قويا كما هو الخال عند كبار الشعراء في القديم والحديث .
تحليل النص
تتكون القصيدة من أربعة مقاطع ، يمثل كل مقطع وحدة مكتملة ، على حين تأتي المقاطع الأربعة في تواليها من الأول إلى الرابع بمثابة وحدة كبرى متماسكة ، تمثل النص / القصيدة في اكتمالها .
المقطع الأول يأتي وكأنه بديل للمقدمة التقليدية في القصيدة العربية القديمة ، فهو أقرب ما يكون إلى المقدمة الطللية حيث ذكر الحبيبة والطلل أو الصحب والخلان ،
وهنا يطوف بنا عبد الصبور في عمورية وبغداد والمعتصم والأخت العربية التي استغاثت وقالت وا معتصماه ، مما يستدعي أبا تمام وقصيدته المشهورة في مدح المعتصم محمد بن هارون الرشيد لما فتح عمورية ، إذن فالمقطع الأول كله
يمثل استهلالا فنيا للقصيدة تتخلق من بذرته جنين النص الذي ستكتمل ولادته بالمقاطع الثلاثة الأخيرة على أن هذا الاستهلال أو البداية الفنية تبقى جزءا عضويا لا يمكن فصله عن النص .
الصوت الصارخ في عموريه
لم يذهب في البريه
إن الاستغاثة / الصرخة يقابلها استجابة فورية ، إنها رسالة من الماضي المجيد إلى الحاضر التعس ، أما لماذا كانت الاستجابة فورية ، فلأن سيف البغدادي
/ سيف الحق / سيف القوة ، ذهب بل سعى إلى هذا الصارخ ، ولم ينتظره ، ولم ينتظر أن تقدم له شكوى مختومة بخاتم النسر .
سيف ” البغدادي ” الثائر
شق الصحراء إليه … لباه
حين دعت أخت عربية
وا معتصماه
إن هذه البداية السردية التقريرية إلى حد ما ، تخبرنا بحقيقة تاريخية وتفصل أحداثها وقعة عمورية المشهورة بين العرب والروم ، وأسباب هذه الوقعة ، وكيف استجاب الخليفة العباسي المعتصم بالله لاستغاثة امرأة / أخت عربية