فى كلام نيوز خطب مكتوبة عن شهر رجب
طاعته.
أمَّا بعد، أيُّها المسلمون:
لقد ذهب نِصف عامنا هذا عنَّا وارتحل، وانقضت عنَّا أيامه إلى غير عودة
، ونحن في غفلة شديدة عن الآخرة، وتنافس كبير على العاجلة، وضَعف وتقصير وتكاسل عن أعمال البِّر الطيِّبة،
وتسويف وتباطؤ عن التوبة والإنابة، وما أكثر ما سمعنا:
إنَّ فلانًا قد قضى نَحبه ومات، وترك ماله وأهله وخِلانه، وأصبح في قبره رهين أعماله، وفيها الصالح أو السيئ مِن أقواله وأفعاله واعتقاداته،
ألا فهل مِن مُتَّعِظ؟ وهل مِن تائب عن آثامه؟ وهل مِن تارك لبدعه وضلالاته؟
وهل مِن كافٍّ عن مخالفته لِما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟ قبل أنَّ تأتي عليه ساعة سَكرته،
وتَحلَّ بِه لحظة منيَّته، ويُعاني حشرَجة صدره، ويُكابد منازعة روحه،
قبل أنْ ينطق نادمًا مُتوجِّعًا فيقول: { يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ }.
أيُّها المسلمون:
إنَّكم قد دخلتكم في أحد الأشهر الأربعة الحُرُم، ألا وهو شهر رجب،
وقد قال الله ــ عزَّ وجلَّ ــ في إثبات حُرمته وحُرمتها:
{ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ }،
وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ ))،
فاحذروا أشدَّ الحذر أنْ تظلموا أنفسكم في هذا الشهر وباقي الأشهر الحُرُم بالسيئات والخطايا، والبِدع والضلالات، ، والفسق والفجور،
والظلم والعدوان، والقتل والاقتتال، والغِش والكذب، والغيبة والبُهتان، والحسد والغِلّ، فإنَّ الله ــ جلَّ وعلا ــ قد زجركم ونهاكم عن ذلك فقال سبحانه: { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ }،
فإنَّ السيئات مِن البِدع والمعاصي تَعظُمُ وتَشتدُّ، وتَكبُر وتتغلَّظ، في كل زمان أو مكان فاضل، وقد ثبت عن قتادة التابعي ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( إِنَّ الظُّلْمَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَعْظَمُ خَطِيئَةً وَوِزْرًا مِنَ الظُّلْمِ فِيمَا سِوَاهَا )).
أيُّها المسلمون:
هذه وقفات أربع يَجدُر بِكم وبغيركم مِن المسلمين أنْ تتنبَّهوا لها، وتفقهوا حُكمها، وتتبصَّروا بواقع الناس معها، لِتسلم لكم عباداتكم مِن النقص والزَّلل، وأنفسكم مِن الإثْم والوِزر
، وتقِلَّ في بلادكم البِدع والآثام، فلا تُغضِبوا ربَّكم، وتَسْعَدوا في دنياكم وأُخْرَاكم